لا يزال توفير الرعاية الصحية إلى يومنا هذا أحد أضخم التحديات التي تواجه الحكومات في القرن الحادي والعشرين وأكثرها إلحاحاً. إذ تواجه الدول في كل ركن من أركان المعمورة متطلبات لا تنفك تتعاظم بالنسبة لخدماتها في مجال الرعاية الصحية. وبينما تعد شيخوخة التركيبة السكانية أحد الأسباب العامة، تواجه الحكومات في الشرق الأوسط مزيداً من التحديات إزاء تركيبة سكانية آخذة بالنمو إضافة إلى ما يرافق ذلك من تزايد في الأمراض المزمنة ولاسيما أمراض داء السكري، والسرطان، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وفي معرض الرد على ذلك، يتطلع مقدمو الرعاية الصحية إلى تكنولوجيات أكثر كفاءة ودقة وفعالية لتوفير الرعاية لمرضاهم.
وباعتبارها أحد أسرع القطاعات نمواً في العالم، شهدت التكنولوجيا الصحية نمواً بمعدلات قياسية على مدار السنوات المنصرمة في ظل لحاقها بركب الثورة الرقمية التي ألقت تأثيرها منذ ذلك الحين على سائر القطاعات الكبرى. وتم استثمار ما يقدر بـ 23 بليون دولار أمريكي في هذا القطاع خلال السنوات السبعة الأولى من العقد الحالي وحده. ووفقاً لإحدى الإحصائيات، كان حجم قطاع الصناعة الأمريكية يقدر بـ 7.2 تريليون دولار أمريكي في عام 2015 وحده[1]. وفي الوقت الذي شهدت فيه القطاعات الصناعية الأخرى تراجعاً في رأس المال الاستثماري، لا يواصل الاستثمار في التكنولوجيا الصحية نموه فحسب، ولكن يبدو أن أحجام الصفقات المبرمة فيه آخذة بالتزايد.
إن المنتجات والخدمات في هذا القطاع الصناعي ضخمة وتشمل نطاقاً واسعاً من الحاجات بالنسبة لجميع المساهمين في هذا القطاع بدءاً من العاملين مروراً بشركات التأمين، وشركات الأدوية، وصولاً إلى المستهلكين. وتهدف المنتجات المتنوعة كقواعد البيانات وتطبيقات الموبايل وصولاً إلى الأجهزة الموضوعة حول الجسم إلى تكوين خدمات شفافة، يسيرة، آمنة، وشخصية بحيث تُمكِّن مقدمي هذه الخدمات من توفير خدمات تنافسية وتتيح للمرضى اتخاذ قرارات وجيهة لتحسين صحتهم.
ومن اللاعبين الكبار في السوق شركاتٌ على غرار الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية مثل مختبرات أوراكل (Oracle) وأبوت (Abbott). وتشمل الشركات التي تقود الركب في عمليات التمويل الضخمة للقطاع شركاتٍ من قبيل كلاينر بيركنز (Kleiner Perkins)، فلير (Flare)، بيسيمر (Bessemer)، في حين تُعدُّ الشركات الكبرى من جينرال إليكتريك (GE) إلى فيليبس (Phillips) وأمازون (Amazon) من بين شركات الاستثمار الرئيسية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة استثمارات مهمة في الأجهزة الرقمية غير التشخيصية أو تلك التي تعرف باسم “الأجهرة المتصلة بالصحة.” ولاقت الأجهزة التي يرتديها المستهلكون للتعرف على حالتهم الصحية ولياقتهم البدنية نجاحاً عارماً_ وجهاز FitBit هو أحد الأمثلة الشاهدة على ذلك. كما تشهد التطبيقات المستخدمة لقياس وتشخيص الأمراض والتحكم بها رواجاً متنامياً أيضاً. ففي السنة الماضية، قامت غوغل بشراء Senosis Health، وهي شركة ناشئة تُحوِّل الهواتف الذكية إلى أجهزة طبية وتجمع إحصائيات صحية متنوعة كجزء من ذراعها الآخذة بالنمو في مجال التكنولوجيا الصحية.
والمجال الآخر الذي يظهر نمواً واعداً هو القطاع الفرعي المعروف باسم الرعاية الصحية عن بُعد والذي يشمل تكنولوجيات تتيح إمكانية تقديم خدمات عن بعد بما في ذلك خدمات تشخيص ورعاية ما يفتح الباب أمام فرصة إحداث ثورة في القطاع وتقديم خدمات مهمة لبعض المرضي الأكثر طلباً للحاجة في المجتمع. كما يعتبر الذكاء الاصطناعي أحد الاهتمامات المتنامية أيضاً مع توفير التطورات في ميدان التكنولوجيا القدرة على جمع وإدارة أحجام ضخمة من بيانات المرضى وتقليص هامش الخطأ البشري وتطوير مواعيد تقديم الخدمة.
وتُعتَبر إمكانيات التكنولوجيا الصحية في الشرق الأوسط مهمة للغاية، وتعمل الحكومات في الوقت الحالي على البيئة التنظيمية من أجل تمكين هذه الصناعة من تحقيق مزيد من الازدهار وذلك في ظل تبوء أمن المعلومات والمسؤولية الطبية موقع القضيتين الأكثر إلحاحاً. هذا ويشهد القطاع صعود عدد مهم من الشركات الناشئة. ومن الابتكارات التي لاقت نجاحاً في هذا السوق شركة دابادوك (Dabadoc) المتخذة من المغرب مقراً لها، وهي شركة تقدم رعاية صحية عن بعد وحلول مباشرة من الطبيب إلى المريض، وقد استطاعت الشركة منذ إنشائها في عام 2014 ربط ثلاثة ملايين ونصف مريض مع أربعة آلاف طبيب على امتداد المغرب وتونس والجزائر. كما تقدم الشركة المصرية الناشئة المعروفة باسم فيزيتا (Vezeeta) خدمة مشابهة مع جني التطبيق 5 ملايين دولار أمريكي في عام 2017. وقد حقق موقع الطبي الأردني، الذي يوجد لديه 1.5 مليون صفحة ذات محتوى طبي باللغة العربية و12000 طبيب مسجل على قاعدة بياناته المتاحة لتوفير استشارات عبر الإنترنت، أرباحاً تقدر بـ 6.5 مليون دولار أمريكي مؤكداً بذلك على صعود نجم هذا القطاع الفرعي.
ومن الحلول الأخرى في مجال الصناعة الطبية، ديموكرانس (Democrance)، وهي شركة ناشئة متخذة من الإمارات العربية مقراً لها وتعمل على توفير التأمين الصحي للشرائح السكانية المحرومة منه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (والذين يعتقد أنهم يشكلون 90% من إجمالي مجموع السكان) وذلك من خلال تطبيقهم عبر الهواتف الذكية. وفي أكتوبر من العالم الماضي، جنت الشركة 800,000 دولار أمريكي في جولتها الأولى من التمويل مع مشاركة مستثمرين من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة وسويسرا في جولة التمويل.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الشركة البريطانية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي المعروفة باسم ميدوباد (Medopad) عن خطط لجني 120 مليون دولار أمريكي في مرحلتها الأولى من جولات التمويل ما من شأنه أن يكون أضخم رقم مسجل في المملكة المتحدة. وفي الشهر الماضي، أبرمت تلك الشركة صفقة مع شركتي جونسون& جونسون (Johnson&Johnson) وساب (SAP) على هامش زيارة ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان إلى المملكة المتحدة في الشهر الفائت. وقد لاقت حلول ميدوباد (Medopad) دعماً من جانب المملكة العربية السعودية التي تتطلع إلى تطبيقات المراقبة، وتكنولوجيا الهواتف الذكية، وتحليلات متقدمة للبيانات في محاولة إلى تحسين الصحة والعادات الصحية لسكانها ولاسيما فيما يتصل بزيادة مستويات ممارسة التمارين الرياضية، التي توجد حاجة ماسة لها في ظل المعدلات المرتفعة لأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم وداء السكري.
ومن المرجح أن تشهد المنطقة مزيداً من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الصحية مستقبلاً، وهي شركات لن تستفيد إلا من نشوء تعاون أوثق بين المهندسين والمتخصصين الطبيين. ومع زيادة حجم الطلب على العرض في ظل محاولة هذا القطاع الصناعي اللحاق بركب الثورة الرقمية وتطبيق أحدث التكنولوجيات من أجل تحسين رعاية المرضى، يوفر هذا القطاع فرصاً استثمارية واعدة في السنوات القادمة.
https://www.hottopics.ht/23983/what-is-health-tech/[1]