ثمة نصيحة جوهرية لطالما لا يُلتفت إليها فيما يخص المشتقات المالية وإدارة المخاطر. النصيحة التي أدركتها بعد أن قضيت قرابة عقد من الزمن في غرف التداول التابعة لمؤسسة جولدمان ساكس في باريس ولندن بجانب نخبة من أفضل المتداولين في العالم كانت كالآتي:
عدم التداول هو صفقة بحد ذاته
نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح: في الواقع عدم التداول هو قرار مهم للغاية. فمن الشائع في أوساط المتداولين المحترفين أن الإفراط في التداول يعد من الخطايا القاتلة لهؤلاء المتعاملين بهدف تحقيق الأرباح وكسب العيش. هي خطيئة شأنها شأن مضاعفة الأصول في الصفقات الخاسرة بدلًا من تقليل الخسائر أو كسب الأرباح مبكرًا في الصفقات الرابحة.
وعليه فإن قرار “عدم التداول” هو قرار مهم للغاية، وغالبًا ما يكون مربحًا كذلك. كان آخر رؤسائي في التداول لدى جولدمان ساكس يمتلك أسلوب تداول فريد من نوعه، فكان يقضي معظم وقته في دراسة الأسواق مع التمسك بقرار عدم التداول. إلا أنه يرى – مرات قليلة خلال العام – أن ميزان المخاطر بالنسبة إلى المكاسب يكون منحرفًا بشكل يجعله “مجبرًا على التداول”. ويودع في تلك المرحلة الزمنية نسبة متفاوتة للغاية من رأس المال في التداول، وهو ما أكسبه سمعة ومصداقية اكتسبهما بشق الأنفس.
فلماذا يرتبط هذا حقًا بما يناقشه هذا المقال عن أسواق المشتقات المالية وإدارة المخاطر؟
حسنًا، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن العديد من المتخصصين العاملين في هذا المجال قد فشلوا في إتقان فن “عدم التداول”.
وكشخص تعامل مع العديد من أمناء الخزانات والمدراء الماليين ومدراء المخاطر المالية على مدار الـ 26 عامًا المنصرمة، أستطيع القول بأن الكثيرين لا يدركون أن توقفهم عن التداول قد يكون قرارًا كبيرًا يدر على شركاتهم أو يكلفها ملايين الدولارات.
نعم، اختيار عدم التداول يعتبر تجارة، وهو ما ينطبق حتى على أمناء خزانات الشركات.
دعونا نطرح بعض الأمثلة:
المثال الأول:
تقترض شركتك من البنك بمعدّل فائدة عائم لمدة خمس سنوات، وتتمتع بمعدّلات الفائدة المنخفضة بينما تنتظر استحقاق القرض حتى تعيد تمويله.
المثال الثاني:
تشتري شركتك المواد الخام التي سيتم تسلمها على مدار السنوات الثلاث التالية بسعر السوق السائد.
مرة أخرى: عدم التداول هو تجارة كبيرة!
ما يُستشف من هذه الأمثلة هو التساؤل الأساسي حول دور ومسؤوليات أمناء صناديق الشركات أو مدراء المخاطر المالية. هي مسألة تتعلق في الواقع بالإدارة المؤسسية وتثير بعض النقاط المثيرة للاهتمام:
لذا عليك تذكر أن “عدم التداول هو تجارة” -وهو قرار بالغ الأهمية ولا يقل أهمية عن قرار التداول. فيمكنه التحول ليكون مربحًا أو مُكلفًا شأنه شأن التجارة نفسها. تذكر تطبيقه بفعالية في مؤسستك حيثما كان ذلك ممكنًا لتقليل المخاطر إلى الحد الأدنى.