تناولت في مقالي السابق بعض القضايا التي يحتاج المرء إلى أن يضعها في حسبانه إذا كان يفكر في بيع شركته أو الحصول على تمويل و/ أو إدخال شركاء جدد إلى شركته.
غير أن القضية الأهم التي تشكل الأساس عند اتخاذ أيا من هذه القرارات تتمحور حول كيفية تقييم الشركة أو النشاط التجاري. ولذلك، أستعرض في هذا المقال بعضا من أهم أساليب التقييم المعتمدة والتي يستخدمها المستثمرون في منطقتنا على نطاق واسع لتقييم صفقات الاندماج والاستحواذ.
وهناك ثلاثة أساليب للتقييم هي الأكثر شيوعا واستخداما في تقييم الأنشطة التجارية وهي: أسلوب التقييم حسب التكلفة، وأسلوب التقييم حسب السوق وأخيرا أسلوب التقييم حسب الدخل.
أسلوب التقييم حسب التكلفة
يركز “أسلوب التقييم حسب التكلفة” – كما توحي التسمية – على تقييم النشاط التجاري على أساس قيمة الأصول الصافية. ويجري استخدام هذا الأسلوب في أكثر الأحيان في تقييم الشركات المتعثرة، كما يلجأ إليه المستثمرون الذين يسعون لشراء إحدى الشركات عند تقييم الأنشطة التجارية التي تمتلك قاعدة أصول ضخمة أو مساحات كبيرة من الأراضي العقارية. ويمكن أن تستنتج السياسات المحاسبية المتحفظة، التي يجري الاستعانة بها عند استخدام هذا الأسلوب في التقييم، أنه قد جرى استهلاك الأصول تماما قبل انتهاء فترة الجدوى الاقتصادية المفترضة لتلك الأصول. وتميل الكثير من الشركات، التي صادفتها خلال تجربتي في مجال الأعمال، إلى عدم القيام بإعادة تقييم أصولها مهنيا بشكل منتظم، وغالبا ما يُفاجأ المرء بمقدار قيمة تلك الأصول التي تتدفق عندما يجري تقييم تلك الأصول حسب السوق.
أسلوب التقييم حسب السوق
يهتم “أسلوب التقييم حسب السوق”، والذي تناولته في وقت سابق، بتقييم المعاملات التجارية الفعلية التي تجري في السوق والتي تقوم بها الشركات التي تتشابه مواقفها إلى حد بعيد مع تلك الشركة التي يقوم المرء بتقييمها على أساس مجال الصناعة وقيمة التعرض للسوق وتداول أسهم الشركة في أسواق الأوراق المالية. ومن الممكن أن يجد المرء تلك المعايير المرجعية للقياس في الشركات المدرجة في الأسواق المالية التي أصدرت بيانات إفصاح أو إعلان عن عمليات استحواذ، وكذلك أرقام التداول الخاصة بها على أساس قيمتها السوقية. ورغم ذلك وكما هو الحال بالنسبة للنقاط المرجعية أو الإحصائية، يحتاج المرء إلى تحري الحذر حتى يتأكد من بعض المسائل مثل تمثيل البيانات المختارة لأرقام “معيارية” وليست تلك الأرقام التي تتغير وتُشوه بسبب بعض الأحداث مثل التحذيرات بشأن الأرباح، أو تلك الأحداث التي تختبرها الشركات لمرة واحدة فقط لا تتكرر. وكثيرا ما أسمع بعض العملاء يقولون أنه إذا جرى التداول على أسهم شركة أو أكثر عند قيم مضاعفة، فإن ذلك يعني بالتأكيد أنه ينبغي تقييم تلك الشركة بنفس تلك القيم على الأقل! غير أن هناك الكثير من المخاطر التي ينبغي تجنبها عند الاستعانة بتلك البيانات، بما في ذلك الاعتراف بأن النقاط المرجعية لا تمثل شيئا آخر سوى المعنى الرئيسي الذي يتبادر إلى الذهن عند الإطلاع عليها. وعند تقييم الشركة على نفس الخلفية التي يجري تقييم نشاطك التجاري على أساسها، تحتاج عند ذلك إلى عمل تحليل كامل لفهم الأسباب التي تجعل الشركات تتداول أسهمها عند تلك القيم المعروفة عنها في السوق. على سبيل المثال، هل قامت تلك الشركات بإعلان أية أخبار أو بيانات أثرت على تقييمها في السوق؟ كيف كان أداء تلك الشركات؟ وهل حققت تلك الشركات عوائد ساعدت على وضعها في مكانة أعلى أو أقل من نظيراتها؟
وهناك نقطة أخرى تدعو إلى توخي الحذر عند استخدام “أسلوب التقييم حسب السوق”، وهو أن البيانات، التي يجري استقائها في الغالب من بيانات المعاملات، لا تعطي الصورة الكاملة المطلوبة. وتستهدف الشركات دائما الاستحواذ على شركات أخرى في بعض الأحيان لأسباب تتعلق بالتنافسية، ولا يجري التصريح في العلن بالأسباب الحقيقية وراء الرغبة في الاستحواذ على الشركات الأخرى، وتبقى تلك الأسباب معروفة فقط لإدارة الشركة الساعية للاستحواذ. ويمكن أن يجري استخدام تلك الأسباب للاستفادة من أوجه التآزر التي يشعر المستثمر الراغب في الاستحواذ على الشركة أنها ستكون ذات جدوى، أو أن تلك الشركة ستمكن المستحوذ من الدخول السريع إلى سوق مربحة كان قد فكر كثيرا في اقتحامها، وهو ما يؤدي بالتالي إلى التغلب على كثير من العوائق وأسباب التأخير المحتملة. وتلعب تلك العوامل دورا رئيسيا في تحديد السعر النهائي التي تنتهي عنده الصفقة، لذلك يجب وضع تلك النقطة في الحسبان قبل عمل أية مقارنات. كما يبقى من الضروري الحفاظ على البيانات بشكل سليم وعدم اختلاط بعضها ببعض، أو استخدامها بشكل غير صحيح. وقد صادفت الكثير من الحالات، التي تشهد تضاعف قيم النشاط التجاري وكذلك الأسهم، وهو ما يؤدي إلى تفسير ذلك التضاعف في القيمة بشكل خاطئ، مما يجعل التحليل والمقارنات الناتجة ليست ذات فائدة.
وتتضمن التعديلات الأخرى، التي قد يجري اللجوء لها عند عملية التقييم، الآتي:
خفض قيمة السيولة: ينبغي في العادة تقييم الشركات الخاصة عند مستوى أقل من الشركات المساهمة العامة، حيث يمكن للمستثمرين في الشركات العامة تداول الأسهم بسهولة داخل أو خارج أسواق الأوراق المالية.
خفض حجم الشركة: تجذب الشركة الضخمة المزيد من المستثمرين وهو ما يؤدي إلى زيادة تقييم تلك الشركة.
وبالإضافة إلى ذلك، وحيث يجري النظر في مصالح غير الأقلية، يجب أن يؤخذ سعر أعلى بعين الاعتبار حتى يعكس الحقوق وأوجه الاستفادة الإضافية التي توفرها حصة الأسهم الحاكمة للمستثمر المستحوذ.
أسلوب التقييم حسب الدخل
يصر الكثير من العملاء على الاستعانة ب”أسلوب التقييم حسب الدخل” عند تقييم شركاتهم. ولا عجب في ذلك، حيث يوفر هذا الأسلوب أعلى تقييم للشركة! وأنا هنا أتحدث عن نموذج التدفقات النقدية المخصومة. وكما توحي التسمية، يتضمن هذا الأسلوب تقدير التدفقات النقدية المستقبلية التي يُتوقع أن يوفرها النشاط التجاري محل التقييم خلال فترة تترواح في الغالب بين خمس وعشر سنين، ثم يجري بعد ذلك خصم تلك التدفقات بتكلفة مناسبة من رأس المال. ومما لا يثير الدهشة، فقد شهدت بنفسي تقييمات على أساس هذا الأسلوب نتجت عنها تقديرات فلكية للأنشطة التجارية والشركات محل التقييم.
وقد وجدت نفسي في مناسبات عديدة في موقف يحتم على توضيح أن التقييمات الفلكية، التي تتجاوز حدود المعقولية التي يمكن من خلالها الاستدلال على أساليب التقييم الأخرى، عادة ما تنطوي على مشكلة وليست مكاسب مفاجئة غير متوقعة. وفي صفقات الاندماج والاستحواذ، يجري النظر في العديد من أساليب التقييم. أما عند توجيه النصح للعملاء سواء عند البيع أو الشراء، تُلقي الأرقام، التي تبدو مرتفعة بشكل غير مبرر، الضوء على جوانب القلق في تلك الصفقة، حيث تلقي المزيد من الشكوك حول مصداقية أعضاء إدارة الشركة والمنطق الذي ينبون عليه رغبتهم في بيع الشركة التي يديرونها. وتتضمن الأسئلة التي تنشأ في كثير من الأحيان في هذا الصدد ما يلي: إذا كانت تلك الأرقام عالية بالفعل كما تبدو، فلماذا إذا لم تستطع الشركة تحقيقها في الماضي؟ وإذا كان النشاط التجاري يحقق هذا القدر من النجاح، فلماذا إذا ترغب الإدارة في بيعه؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي تستطيع بعضها كشف الهدف الرئيسي من وراء رغبة الإدارة في بيع الشركة.
ونصيحتي في مثل هذه الحالات هي أن نموذج التدفقات النقدية المخصومة سوف يوفر بالفعل أعلى تقييم للشركة على أساس التطبيق الواسع لأساليب التقييم المختلفة. غير أنه وعند تطبيق هذه الأسلوب، تبقى كافة الافتراضات والأرقام بحاجة إلى الظهور بشكل معقول، وحيث تنشأ بعض الشكوك، ينبغي ساعتها الميل إلى جانب الحذر بدلا من الاعتماد على تقييمات لا يمكن الدفاع عنها، والتي تهدد إدارة الشركة بفقدان المصداقية مع المستثمرين. ورغم كل شيء، تبقى حقيقة أنه إذا كان التحليل على الورق يعطي رسالة للمرء بأن الصفقة جيدة بشكل زائد عن حدود المعقولية، ساعتها ينبغي أن يعرف المستثمر أن تلك الصفقة ليست جيدة.
في الختام، لا يوجد أسلوب يمكن اعتباره الطريقة المثلى لتقييم النشاط التجارية، حيث تعتبر أساليب التقييم في حد ذاتها ليست موضوعية. بالتالي، ينبغي تطبيق مجموعة من أساليب التقييم حتى يستطيع المستثمر الحصول على تقدير موضوعي للنشاط التجاري الذي يرغب في الاستحواذ عليه. وحيث تنشأ الخلافات، ينبغي فحص أسلوب التقييم وإخضاعه لميزان المعقولية، ومن ثم يمكن من خلال الاستعانة بأسلوب التحليل المفصل ذلك الحصول على التقييم الحقيقي للشركة.